الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَالْقَيْءُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ حَرَامٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنَّمَا قَالَ عليه السلام ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الْعَوْدَةِ فِي الْهِبَةِ. وَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ , فَمَنْ صَلَّى حَامِلاً شَيْئًا مِنْهَا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : 145 - مَسْأَلَةٌ : وَنَبِيذُ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّهْوِ وَالرُّطَبِ وَالزَّبِيبِ إذَا جُمِعَ نَبِيذُ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ إلَى نَبِيذِ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا أَبَانُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ , وَعَنْ خَلِيطِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ , وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ , وَقَالَ : انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَلِيطَانِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ حَلاَلٌ مَا لَمْ يُسْكِرْ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ إلاَّ عَمَّا ذَكَرْنَا.
146 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ , لاَ فِي بُنْيَانٍ ، وَلاَ فِي صَحْرَاءَ , وَلاَ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَقَطْ كَذَلِكَ فِي حَالِ الاِسْتِنْجَاءِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قُلْت لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ : سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَذْكُرُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ ، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ ، وَلاَ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا قَالَ سُفْيَانُ نَعَمْ. وَقَدْ رَوَى أَيْضًا النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ , وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ حَدِيثَ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلاَّ يَسْتَنْجِيَ أَحَدٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ , فِي بَابِ الاِسْتِنْجَاءِ. وَمِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُيُوتِ نَصَّا عَنْهُ , وَكَذَلِكَ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ أَلاَّ تَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِذَلِكَ , وَعَنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، جُمْلَةً , وَعَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَبِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ اسْتِقْبَالِهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ , وَكُلُّ هَؤُلاَءِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ , وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَتَانِ بِالْفُرُوجِ , وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. قال أبو محمد : لاَ نَرَى ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ , لاَِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ : يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ , وَرُوِّينَا ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَرُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ , وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلاَ بَأْسَ , وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. فأما مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ جُمْلَةً فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ رَقَيْتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَفِي بَعْضِهَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ حِيَالَ الْقِبْلَةِ وَفِي بَعْضِهَا : اطَّلَعْتُ يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ يَقْضِي حَاجَتَهُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِلَبِنٍ فَرَأَيْتُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ. وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا وَبِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ فَعَلُوهَا اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ , فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ النَّهْيِ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِيهِ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ , فَإِذًا لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَحُكْمُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَنْسُوخٌ قَطْعًا بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , هَذَا يُعْلَمُ ضَرُورَةً وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ تَرْكُ الْيَقِينِ بِالظُّنُونِ , وَأَخْذُ الْمُتَيَقَّنِ نَسْخُهُ وَتَرْكُ الْمُتَيَقَّنِ أَنَّهُ نَاسِخٌ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحُكْمٍ مَنْسُوخٍ فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُعِيدُ النَّاسِخَ مَنْسُوخًا وَالْمَنْسُوخَ نَاسِخًا ، وَلاَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ تِبْيَانًا لاَ إشْكَالَ فِيهِ , إذْ لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ الدِّينُ مُشْكِلاً غَيْرَ بَيِّنٍ , نَاقِصًا غَيْرَ كَامِلٍ , وَهَذَا بَاطِلٌ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : وَأَيْضًا فَإِنَّمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ذِكْرُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَقَطْ , فَلَوْ صَحَّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لَمَا كَانَ فِيهِ نَسْخُ تَحْرِيمِ اسْتِدْبَارِهَا , وَلَكَانَ مَنْ أَقْحَمَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةَ اسْتِدْبَارِهَا كَاذِبًا مُبْطِلاً لِشَرِيعَةٍ ثَابِتَةٍ , وَهَذَا حَرَامٌ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ سَاقِطٌ ; لاَِنَّهُ رِوَايَةُ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ , وَأَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَرَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ , وَهَذَا أَبْطَلُ وَأَبْطَلُ ; لاَِنَّ خَالِدًا الْحَذَّاءَ لَمْ يُدْرِكْ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّ نَصَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ ; لاَِنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاهُمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فِي ذَلِكَ , هَذَا مَا لاَ يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ ، وَلاَ ذُو عَقْلٍ , وَفِي هَذَا الْخَبَرِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِلاَ شَكٍّ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ إبَاحَةُ الاِسْتِقْبَالِ فَقَطْ , لاَ إبَاحَةُ الاِسْتِدْبَارِ أَصْلاً , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ جُمْلَةً. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ رِوَايَةُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ , وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ اسْتِقْبَالَهُ الْقِبْلَةَ عليه السلام كَانَ بَعْدَ نَهْيِهِ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَالَ جَابِرٌ , ثُمَّ رَأَيْته , وَأَيْضًا فَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ النَّسْخُ لِلاِسْتِقْبَالِ فَقَطْ , وَأَمَّا الاِسْتِدْبَارُ فَلاَ أَصْلاً , وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا , فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَاذِبًا , وَلَيْسَ إذَا نَهَى عَنْ شَيْئَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ نَسْخُ الآخَرِ , فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ , وَسَقَطَ قَوْلُهُمْ لِتَعَرِّيه عَنْ الْبُرْهَانِ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ فَقَوْلٌ لاَ يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَصْلاً , إذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ فَرْقٌ بَيْنَ صَحْرَاءَ وَبُنْيَانٍ , فَالْقَوْلُ بِذَلِكَ ظَنٌّ , وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ , وَلاَ يُغْنِي عَنْ الْحَقِّ شَيْئًا , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الصَّحَارِي دُونَ الْبُنْيَانِ , وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ بَلْ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ خَاصَّةً , وَبَيْنَ آخَرَ قَالَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ خَاصَّةً , وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ لاَ وَجْهَ لَهُ. وقال بعضهم : إنَّمَا كَانَ فِي الصَّحَارِي , لاَِنَّ هُنَالِكَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فَيُؤْذَوْنَ بِذَلِكَ. قال أبو محمد : هَذَا بَاطِلٌ ; لاَِنَّ وُقُوعَ الْغَائِطِ كَيْفَمَا وَقَعَ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَوْضِعُهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ قِبْلَةً لِجِهَةٍ مَا , وَغَيْرَ قِبْلَةٍ لِجِهَةٍ أُخْرَى , فَخَرَجَ قَوْلُ مَالِكٍ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّةٍ أَوْ بِدَلِيلٍ أَصْلاً , وَهُوَ قَوْلٌ خَالَفَ جَمِيعَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إلاَّ رِوَايَةً ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
147 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ مُبَاحٌ فَظَهَرَ فِيهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَطَعْمُهُ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ , فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ وَالْغُسْلُ بِهِ لِلْجَنَابَةِ جَائِزٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قوله تعالى : حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا قَالَتْ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ , فَوَجَدْتُهُ قَدْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ كَانَ فِي صَحْفَةٍ , إنِّي لاََرَى فِيهَا أَثَرَ الْعَجِينِ , فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي الضُّحَى. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي جَفْنَةٍ إنِّي لاََرَى أَثَرَ الْعَجِينِ فِيهَا , فَسَتَرَهُ أَبُو ذَرٍّ فَاغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَتَرَ عليه السلام أَبَا ذَرٍّ فَاغْتَسَلَ , ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ فِي الضُّحَى. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ الْعُكْلِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلاَ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ. قال علي : وهذا قَوْلُ ثَابِتٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إذَا غَسَلَ الْجُنُبُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ أَجْزَأَهُ , وَكَذَلِكَ نَصًّا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَثَبَتَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَعَنْ صَوَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ وَالتَّابِعَاتِ مِنْهُنَّ : أَنَّ الْمَرْأَةَ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ إذَا امْتَشَطَتْ بِحِنَّاءٍ رَقِيقٍ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهَا مِنْ غَسْلِ رَأْسِهَا لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ ، وَلاَ تُعِيدُ غَسْلَهُ , وَثَبَتَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْجُنُبِ : يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ : إنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ غَسْلِ رَأْسِهِ لِلْجَنَابَةِ. وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوُ هَذَا أَيْضًا. وَرَوَى سَحْنُونٌ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ الْغَدِيرِ تَرِدُهُ الْمَوَاشِي فَتَبُولُ فِيهِ وَتُبْعِرُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ وَرِيحُهُ : أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلاَةِ قَالَ مَالِكٌ : أَكْرَهُهُ ، وَلاَ أُحَرِّمُهُ , كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إنِّي لاَُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنْ الْحَلاَلِ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ بِخِلاَفِ هَذَا , وَهُوَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ فِي الْمَاءِ يُبَلُّ فِيهِ الْخُبْزُ أَوْ يَقَعُ فِيهِ الدُّهُنُ : أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ يُنْقَعُ فِيهِ الْجِلْدُ , وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ الْقَوْلِ , لاَِنَّهُ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , بَلْ خَالَفُوا فِيهِ ثَلاَثَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَخَالَفُوا فِيهِ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا , وَمَا نَعْلَمُهُمْ احْتَجُّوا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا : لَيْسَ هُوَ مَاءٌ مُطْلَقًا. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ , بَلْ هُوَ مَاءٌ مُطْلَقٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الَّذِي فِيهِ وَبَيْنَ حَجَرٍ يَكُونُ فِيهِ , وَهُمْ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الَّذِي تَغَيَّرَ مِنْ طِينِ مَوْضِعِهِ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا حُكْمَ الْمَاءِ لِلْمَاءِ الَّذِي مَازَجَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ لَمْ يُزِلْ عَنْهُ اسْمَ الْمَاءِ , وَجَعَلُوا لِلْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالنُّحَاسِ خَلْطًا يُغَيِّرُهَا حُكْمَ الْفِضَّةِ الْمُحْصَنَةِ , وَكَذَلِكَ فِي الذَّهَبِ الْمَمْزُوجِ فَجَعَلُوهُ كَالذَّهَبِ الصِّرْفِ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّرْفِ , وَهَذَا هُوَ الْخَطَأُ وَعَكْسُ الْحَقَائِقِ , لاَِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي الصُّفْرِ الْمُمَازِجِ لِلْفِضَّةِ , وَهَذَا بَاطِلٌ وَأَبَاحُوا صَرْفَ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ بِمِثْلِ وَزْنِ الْجَمِيعِ مِنْ فِضَّةٍ مَحْضَةٍ , وَهَذَا هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِمَاءٍ قَدْ مَازَجَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَإِنَّمَا يَتَوَضَّأُ وَيَغْتَسِلُ بِالْمَاءِ , وَلاَ يَضُرُّهُ مُرُورُ شَيْءٍ طَاهِرٍ عَلَى أَعْضَائِهِ مَعَ الْمَاءِ. وقال بعضهم : هُوَ كَمَاءِ الْوَرْدِ. قال أبو محمد وَهَذَا بَاطِلٌ , لاَِنَّ مَاءَ الْوَرْدِ لَيْسَ مَاءً أَصْلاً , وَهَذَا مَاءٌ وَشَيْءٌ آخَرُ مَعَهُ فَقَطْ. فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جُمْلَةً , كَالنَّبِيذِ وَغَيْرِهِ , لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ ، وَلاَ الْغُسْلُ , وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ التَّيَمُّمُ , وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا , وُجِدَ مَاءٌ آخَرُ أَمْ لَمْ يُوجَدْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيذَ وَضُوءٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ ، وَلاَ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ : لاَ يَتَيَمَّمُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ مَا دَامَ يُوجَدُ نَبِيذٌ غَيْرُ مُسْكِرٍ , فَإِنْ كَانَ مُسْكِرًا فَلاَ يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ صَاحِبُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ : نَبِيذُ التَّمْرِ خَاصَّةً يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ الْمُفْتَرَضُ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ , وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ , وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَبِيذِ التَّمْرِ , وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ. وقال أبو حنيفة فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ : إنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ خَاصَّةً إذَا لَمْ يُسْكِرْ فَإِنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُغْتَسَلُ فِيمَا كَانَ خَارِجَ الأَمْصَارِ وَالْقُرَى خَاصَّةً عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ , فَإِنْ أَسْكَرَ , فَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ كَذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ نِيئًا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلاً فِي ذَلِكَ , وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , لاَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ ، وَلاَ فِي الأَمْصَارِ ، وَلاَ فِي الْقُرَى أَصْلاً وَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ ، وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ الأَنْبِذَةِ غَيْرَ نَبِيذِ التَّمْرِ لاَ فِي الْقُرَى ، وَلاَ فِي غَيْرِ الْقُرَى , وَلاَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ , وَالرِّوَايَةُ الآُخْرَى عَنْهُ أَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِذَةِ يُتَوَضَّأُ بِهَا وَيُغْتَسَلُ , كَمَا قَالَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ سَوَاءً سَوَاءً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يُتَوَضَّأُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَيُتَيَمَّمُ مَعًا. قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ : مَعَكَ مَاءٌ قَالَ لَيْسَ مَعِي مَاءٌ , وَلَكِنْ مَعِي إدَاوَةً فِيهَا نَبِيذٌ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ , فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بِنَبِيذٍ وَقَالَ : تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ. وقال بعضهم : إنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، رَكِبُوا الْبَحْرَ فَلَمْ يَجِدُوا إلاَّ مَاءَ الْبَحْرِ وَنَبِيذًا , فَتَوَضَّئُوا بِالنَّبِيذِ وَلَمْ يَتَوَضَّئُوا بِمَاءِ الْبَحْرِ. وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ قَالَ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مَزِيدَةَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : إذَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَلْتَتَوَضَّأْ بِالنَّبِيذِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى : وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنِ خَازِمٍ الضَّرِيرُ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : لاَ بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ. قَالُوا : وَلاَ مُخَالِفَ لِمَنْ ذَكَرْنَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , فَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ مُخَالِفِينَا. وَقَالُوا : النَّبِيذُ مَاءٌ بِلاَ شَكٍّ خَالَطَهُ غَيْرُهُ , فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْغَبُوا بِهِ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَمْ يَصِحَّ ; لاَِنَّ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ مَنْ لاَ يُعْرَفُ أَوْ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ , وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ كَلاَمًا مُسْتَقْصًى فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّ لَيْلَةَ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ تَنْزِلْ آيَةُ الْوُضُوءِ إلاَّ بِالْمَدِينَةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ , وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ أَثَرٌ بِأَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ فَرْضًا بِمَكَّةَ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ كَلاَ وُضُوءٍ , فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ لَوْ صَحَّ. وَأَمَّا الَّذِي رَوَوْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لاَِنَّ الأَوْزَاعِيَّ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ كُلَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ , مُجِيزُونَ لِلْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ , وَلاَ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ , مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءُ الْبَحْرِ , وَكُلُّهُمْ حَاشَا حُمَيْدًا صَاحِبَ الْحَسَنِ بْنُ حَيٍّ لاَ يُجِيزُ الْوُضُوءَ أَلْبَتَّةَ بِالنَّبِيذِ مَا دَامَ يُوجَدُ مَاءُ الْبَحْرِ , وَحُمَيْدٌ صَاحِبُ الْحَسَنِ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِمَاءِ الْبَحْرِ مَعَ وُجُودِ النَّبِيذِ , فَكُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لِمَا ادَّعَوْهُ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي ذَلِكَ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَرَى الْمَرْءُ حُجَّةً عَلَى خَصْمِهِ مَا لاَ يَرَاهُ حُجَّةً عَلَيْهِ. وَأَمَّا الأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَيْضًا فَإِنَّ حُمَيْدًا صَاحِبَ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ يُخَالِفُ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ , لاَِنَّهُ يَرَى الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ , وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ عَلِيٍّ , وَيَرَى أَنَّ سَائِرَ الأَنْبِذَةِ لاَ يَحِلُّ بِهَا الْوُضُوءُ أَصْلاً , وَهَذَا خِلاَفُ الرِّوَايَةِ عَنْ عَلِيٍّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ فِي النَّبِيذِ مَاءً خَالَطَهُ غَيْرُهُ , فَهُوَ لاَزِمٌ لَهُمْ فِي لَبَنٍ مُزِجَ بِمَاءٍ , وَفِي الْحِبْرِ ; لاَِنَّهُ مَاءٌ مَعَ عَفْصٍ وَزَاجٍ , وَفِي الأَمْرَاقِ ; لاَِنَّهَا مَاءٌ وَزَيْتٌ وَخَلٌّ , أَوْ مَاءٌ وَزَيْتٌ وَمَرِيٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا , فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فِي كُلِّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَبْعَدُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حُجَّةٌ. أَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حِينَ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ خَارِجَ مَكَّةَ , فَمِنْ أَيْنَ لَهُ بِتَخْصِيصِ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ خَارِجَ الأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَهَذَا خِلاَفٌ لِمَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ , لاَ سِيَّمَا وَهُوَ لاَ يَرَى التَّيَمُّمَ فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ الْقَرْيَةِ , وَلاَ قَصْرَ الصَّلاَةِ إلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , أَحَدَ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا فَصَاعِدًا , وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى دَلِيلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ وَدَلِيلُهُ فِي ذَلِكَ جَارٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي الَّذِي قَاسَ فِيهِ جَمِيعَ الأَنْبِذَةِ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ , فَهَلاَّ قَاسَ أَيْضًا دَاخِلَ الْقَرْيَةِ عَلَى خَارِجِهَا وَمَا الْمُجِيزُ لَهُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ وَالْمَانِعُ لَهُ مِنْ الآخَرِ لاَ سِيَّمَا مَعَ مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِهِ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ فَإِذْ هُوَ مَاءٌ طَهُورٌ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ غَيْرِهِ , وَكِلاَهُمَا مَاءٌ طَهُورٌ وَهَذَا مَا لاَ انْفِكَاكَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ لاَ يُجِيزُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلْيُجِزْهُ لِلْمَرِيضِ فِي الْحَضَرِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَأَمَّا فِعْلُ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ , لاَِنَّهُ لاَ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ مَعَ وُجُودِ مَاءِ الْبَحْرِ , وَلاَ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ وَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْقُرَى , وَلَيْسَ هَذَا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ , وَلَمْ يَخُصَّ عَلِيٌّ نَبِيذَ تَمْرٍ مِنْ غَيْرِهِ , وَأَبُو حَنِيفَةَ يَخُصُّهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ , وَلاَ أَمْقُتُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِمَّنْ يُنْكِرُ عَلَى مُخَالِفِهِ تَرْكَ قَوْلٍ هُوَ أَوَّلُ تَارِكٍ لَهُ ، وَلاَ سِيَّمَا وَمُخَالِفُهُ لاَ يَرَى ذَلِكَ الَّذِي تَرَكَ حُجَّةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ النَّبِيذَ مَاءٌ وَتَمْرٌ فَيَلْزَمُهُمْ هَذَا كَمَا قلنا فِي الأَمْرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ الأَنْبِذَةِ وَهُوَ خِلاَفُ قَوْلِهِ. فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعًا. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَفَاسِدٌ , لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ جَائِزًا فَالتَّيَمُّمُ مَعَهُ فُضُولٌ. أَوْ لاَ يَكُونَ الْوُضُوءُ بِهِ جَائِزًا فَاسْتِعْمَالُهُ فُضُولٌ. لاَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ : إنَّهُ إذَا كَانَ فِي ثَوْبِ الْمَرْءِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ الْمُجْتَمِعَ عَلَى جَسَدِ الْمُتَوَضِّئِ بِالنَّبِيذِ أَوْ الْمُغْتَسِلِ بِهِ وَفِي ثَوْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمَ بَغْلِيَّةٍ كَثِيرَةٍ. فَإِنْ قَالَ مَنْ يَنْتَصِرُ لَهُ : إنَّا لاَ نَدْرِي أَيَلْزَمُ الْوُضُوءُ بِهِ فَلاَ يُجْزِئُ تَرْكُهُ أَوْ لاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِهِ فَلاَ يُجْزِئُ فِعْلُهُ. فَجَمَعَنَا الأَمْرَيْنِ. قِيلَ لَهُمْ : الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ عِنْدَ وُجُودِهِ , فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ , وَالْوُضُوءُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ فَرْضٌ مُتَيَقَّنٌ , وَالْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ عِنْدَكُمْ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ , وَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا فَاسْتِعْمَالُهُ لاَ يَلْزَمُ , وَمَا لاَ يَلْزَمُ فَلاَ مَعْنَى لِفِعْلِهِ , وَلَوْ جِئْتُمْ إلَى اسْتِعْمَالِ كُلِّ مَا تَشُكُّونَ فِي وُجُوبِهِ لَعَظُمَ الأَمْرُ عَلَيْكُمْ , لاَ سِيَّمَا وَأَنْتُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ نَجِسٌ يُفْسِدُ الصَّلاَةَ كَوْنُهُ فِي الثَّوْبِ , وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ الْوُضُوءَ بِالنَّجِسِ الْمُتَيَقَّنِ لاَ يَحِلُّ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَقُولُونَ فِي أُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ : إنَّ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ لاَ يَحِلُّ. وَهَذَا مَكَانٌ نَقَضُوا فِيهِ هَذَا الأَصْلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ , وَقَدْ نَقَضَ هَهُنَا أَصْلَهُ فِي الْقَوْلِ بِهِ , فَلَمْ يَقِسْ الأَمْرَاقَ ، وَلاَ سَائِرَ الأَنْبِذَةِ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ , وَخَالَفَ أَيْضًا أَقْوَالَ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، كَمَا ذَكَرْنَا دُونَ مُخَالِفٍ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ , وَهَذَا أَيْضًا هَادِمٌ لاَِصْلِهِ , فَلْيَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى تَنَاقُضِ أَقْوَالِهِمْ , وَهَدْمِ فُرُوعِهِمْ لاُِصُولِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمٍ قَلَّ النَّوْمُ أَوْ كَثُرَ , نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلاً , قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ قَائِمًا. فِي صَلاَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ , كَيْفَمَا نَامَ أَلاَ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وُضُوئِهِ فِي إنَاءٍ كَانَ وُضُوءَهُ أَوْ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَسْتَنْثِرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجِزْهُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ تِلْكَ الصَّلاَةُ. نَاسِيًا تَرَكَ ذَلِكَ أَوْ عَامِدًا. وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَبْتَدِيَ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ , وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ. فَإِنْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ وَتَوَضَّأَ دُونَ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فَوُضُوءُهُ غَيْرُ تَامٍّ وَصَلاَتُهُ غَيْرُ تَامَّةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِ فَلاَ يَغْمِسُ يَعْنِي يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا , فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ. قال أبو محمد : زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ خَوْفُ نَجَاسَةٍ تَكُونُ فِي الْيَدِ , وَهَذَا بَاطِلٌ لاَ شَكَّ فِيهِ , لاَِنَّهُ عليه السلام لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا عَجَزَ عَنْ أَنْ يُبَيِّنَهُ , وَلَمَا كَتَمَهُ عَنْ أُمَّتِهِ , وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَوْفَ نَجَاسَةٍ لَكَانَتْ الرِّجْلُ كَالْيَدِ فِي ذَلِكَ , وَلَكَانَ بَاطِنُ الْفَخِذَيْنِ وَمَا بَيْنَ الأَلْيَتَيْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَمِنْ الْعَجَبِ عَلَى أُصُولِهِمْ أَنْ يَكُونَ ظَنُّ كَوْنِ النَّجَاسَةِ فِي الْيَدِ يُوجِبُ غَسْلَهَا ثَلاَثًا , فَإِذَا تَيَقَّنَ كَوْنَ النَّجَاسَةِ فِيهَا أَجْزَأَهُ إزَالَتُهَا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ , وَإِنَّمَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَ غَسْلُ الْيَدِ هُوَ مَا نَصَّ عليه السلام مِنْ مَغِيبِ النَّائِمِ عَنْ دِرَايَتِهِ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَقَطْ , وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ سَبَبًا لِمَا شَاءَ , كَمَا جَعَلَ تَعَالَى الرِّيحَ الْخَارِجَ مِنْ أَسْفَلَ سَبَبًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَغَسْلَ الْوَجْهِ وَمَسْحَ الرَّأْسِ وَغَسْلَ الذِّرَاعَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا فِي نَوْمِ اللَّيْلِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَادَّعَوْا أَنَّ الْمَبِيتَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِاللَّيْلِ. قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ , بَلْ يُقَالُ : بَاتَ الْقَوْمُ يُدَبِّرُونَ أَمْرَ كَذَا , وَإِنْ كَانَ نَهَارًا. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ هُوَ الزُّبَيْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ. كَتَبَ إلَيَّ سَالِمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَتْحٍ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الشَّنْتَجَالِيُّ قَالَ : حدثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ. قال أبو محمد : أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَحَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أَسْتَنْشِقَ قَالَ نَعَمْ , قُلْت كَمْ قَالَ ثَلاَثًا , قُلْت عَمَّنْ قَالَ عَنْ عُثْمَانَ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ : إنْ كَانَ جُنُبًا فَثَلاَثًا , وَإِنْ كَانَ جَاءَ مِنْ الْغَائِطِ فَاثْنَتَيْنِ , وَإِنْ كَانَ جَاءَ مِنْ الْبَوْلِ فَوَاحِدَةً. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَغْسِلْ يَدَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْوَضُوءِ ,. وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا.
150 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُجْزِئُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ , فَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهِ فَلَمْ يَغْتَسِلْ , وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ , وَلَهُ أَنْ يُعِيدَ الْغُسْلَ مِنْهُ , وَكَذَلِكَ لاَ يُجْزِئُ الْجُنُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِفَرْضٍ غَيْرِ الْجَنَابَةِ فِي مَاءٍ رَكَادٍ , فَإِنْ كَانَ غَيْرَ جُنُبٍ أَجْزَأَهُ الاِغْتِسَالُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ , وَالْوُضُوءُ جَائِزٌ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ , فَمَنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي جَوْنٍ مِنْ أَجْوَانِ النَّهْرِ وَالنَّهْرُ رَاكِدٌ لَمْ يُجْزِهِ , وَأَمَّا الْبَحْرُ فَهُوَ جَارٍ أَبَدًا مُضْطَرِبٌ مُتَحَرِّكٌ غَيْرُ رَاكِدٍ , هَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ عِيَانًا , وَكَذَلِكَ مَنْ بَالَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ ثُمَّ سَرَحَ لِذَلِكَ الْمَاءِ فَجَرَى فَلاَ يَحِلُّ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ ، وَلاَ الاِغْتِسَالُ , لاَِنَّهُ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ الاِغْتِسَالُ وَالْوُضُوءُ مِنْ عَيْنِ ذَلِكَ الْمَاءِ بِالنَّصِّ , وَلَوْ بَالَ فِي مَاءٍ جَارٍ ثُمَّ أُغْلِقَ صَبَبُهُ فَرَكَدَ جَازَ لَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَالاِغْتِسَالُ مِنْهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يَبُلْ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ , وَالاِغْتِسَالُ لِلْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي مُبَاحٌ , وَإِنْ بَالَ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَفِيهِ وَالْغُسْلُ مِنْهُ وَفِيهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو الطَّاهِرِ وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأَيْلِيُّ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ , فَقَالَ : كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلاً ". فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ لاَ يَرَى أَنْ يَغْتَسِلَ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ , إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : إنْ فَعَلَ تَنَجَّسَ الْمَاءُ , وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ قَبْلُ , وَكَرِهَهُ مَالِكٌ , وَأَجَازَ غُسْلَهُ إنْ اغْتَسَلَ كَذَلِكَ , وَهَذَا خَطَأٌ , لِخِلاَفِهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ الرَّاكِدُ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا , وَلَوْ أَنَّهُ فَرَاسِخُ فِي فَرَاسِخَ , لاَ يُجْزِئُ الْجُنُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ , لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخُصَّ مَاءً مِنْ مَاءٍ , وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الْوُضُوءِ فِيهِ ، وَلاَ عَنْ الْغُسْلِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ فِيهِ , فَهُوَ مُبَاحٌ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.
151 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَاء تَوَضَّأَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ حَائِضٌ أَوْ غَيْرُ حَائِضٍ أَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْهُ فَأَفْضَلَتْ مِنْهُ فَضْلاً , لَمْ يَحِلَّ لِرَجُلٍ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلِ ، وَلاَ الْغُسْلُ مِنْهُ , سَوَاءٌ وَجَدُوا مَاءً آخَرَ أَوْ لَمْ يَجِدُوا غَيْرَهُ , وَفَرْضُهُمْ التَّيَمُّمُ حِينَئِذٍ , وَحَلاَلٌ شُرْبُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ , وَجَائِزٌ الْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ لِلنِّسَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَلاَ يَكُونُ فَضْلاً إلاَّ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِمَّا اسْتَعْمَلَتْهُ مِنْهُ , فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ فَضْلاً , وَالْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِهِ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَأَمَّا فَضْلُ الرِّجَالِ فَالْوُضُوءُ بِهِ وَالْغُسْلُ جَائِزٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , إلاَّ أَنْ يَصِحَّ خَبَرٌ فِي نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنْهُ فَنَقِفَ عِنْدَهُ , وَلَمْ نَجِدْهُ صَحِيحًا فَإِنْ تَوَضَّأَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ اغْتَسَلاَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يَغْتَرِفَانِ مَعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَلاَ نُبَالِي أَيُّهُمَا بَدَأَ قَبْلُ , أَوْ أَيُّهُمَا أَتَمَّ قَبْلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي حَاجِبٍ هُوَ سَوَادَةُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرو الْغِفَارِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ أَخْبَرَنِي أَصْبَغُ قَالَ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْعُقَيْلِيِّ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا مَعْلِيُّ بْنُ أَسَدٍ ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ. وَلَمْ يُخْبِرْ عليه السلام بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ , وَلاَ أَمَرَ غَيْرَ الرِّجَالِ بِاجْتِنَابِهِ , وَبِهَذَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ وَالْحَكَمُ بْنِ عَمْرٍو , وَهُمَا صَاحِبَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ تَقُولُ جُوَيْرِيَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ بِالدِّرَّةِ مَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَالَ قَتَادَةُ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيِّ عَنْ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ , فَكِلاَهُمَا نَهَانِي عَنْهُ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ مَعَ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مَعًا حَتَّى يَقُولَ أَبْقِي لِي وَتَقُولَ لَهُ أَبْقِ لِي وَهَذَا حَقٌّ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَضْلاً حَتَّى يَتْرُكَهُ. هَذَا حُكْمُ اللُّغَةِ بِلاَ خِلاَفٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنَابَةٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ فَضْلِهَا فَقَالَتْ لَهُ : إنِّي اغْتَسَلْت فَقَالَ : إنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الطَّهْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ : أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ , مُخْتَصَرٌ قال أبو محمد : هَكَذَا فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ مُخْتَصَرٌ. قال أبو محمد : وَهَذَانِ حَدِيثَانِ لاَ يَصِحَّانِ , فأما الْحَدِيثُ الأَوَّلُ فَرِوَايَةُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ , وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ , شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ , وَهَذِهِ جُرْحَةٌ ظَاهِرَةٌ وَالثَّانِي أَخْطَأَ فِيهِ الطَّهْرَانِيُّ بِيَقِينٍ ; لاَِنَّ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمُ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَهُوَ الْبُرْسَانِيُّ ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : أَكْبَرُ عِلْمِي وَاَلَّذِي يَخْطُرُ عَلَى بَالِي أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَنِي ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ. قال أبو محمد : فَصَحَّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَقْطَعْ بِإِسْنَادِهِ , وَهَؤُلاَءِ أَوْثَقُ مِنْ الطَّهْرَانِيِّ وَأَحْفَظُ بِلاَ شَكٍّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَغْمَزٌ لَمَا كَانَتْ فِيهِمَا حُجَّةٌ , لاَِنَّ حُكْمَهُمَا هُوَ الَّذِي كَانَ قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ أَوْ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ , بِلاَ شَكٍّ فِي هَذَا , فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ حُكْمَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مَنْسُوخٌ قَطْعًا , حِينَ نَطَقَ عليه السلام بِالنَّهْيِ عَمَّا فِيهِمَا , لاَ مِرْيَةَ فِي هَذَا , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ وَتَرْكُ النَّاسِخِ , وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ حُكْمُهُ , وَالنَّاسِخُ قَدْ بَطَلَ رَسْمُهُ , فَقَدْ أَبْطَلَ وَادَّعَى غَيْرَ الْحَقِّ , وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ، وَلاَ يُبَيِّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ الْمُحْتَجَّيْنِ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مُخَالِفَانِ لِمَا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام الْمَاءُ لاَ يَنْجُسُ وَمِنْ الْقَبِيحِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِمَا يُقِرُّونَ أَنَّهُ حُجَّةٌ ثُمَّ يُخَالِفُونَهُ وَيُنْكِرُونَ خِلاَفَهُ عَلَى مَنْ لاَ يَرَاهُ حُجَّةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا إبَاحَةَ وُضُوءِ الرَّجُلِ مِنْ فَضْلِ الْمَرْأَةِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَلِيٍّ , إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ فأما الطَّرِيقُ عَنْ عَائِشَةَ فَفِيهَا الْعَرْزَمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ , عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هِيَ. وَأَمَّا الطَّرِيقُ عَنْ عَلِيٍّ فَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ , وَهِيَ صَحِيفَةٌ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ لاَ يَحْتَجُّ بِهَا إلاَّ جَاهِلٌ , فَبَقِيَ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ سَرْجِسَ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ , يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
152 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَلاَ مِنْ إنَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَلاَ الْغُسْلُ , إلاَّ لِصَاحِبِهِ أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ , فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ , وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدُ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا بِشْرٌ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرٍ فَقَالَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ , كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا , فِي شَهْرِكُمْ هَذَا , فِي بَلَدِكُمْ هَذَا , لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ , فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عُمَرَ مُسْنَدًا صَحِيحًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ. فَكَانَ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ أَوْ مِنْ إنَاءٍ كَذَلِكَ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ ذَلِكَ الْمَاءَ وَذَلِكَ الإِنَاءَ فِي غُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ حَرَامٌ , وَبِضَرُورَةٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ الْحَرَامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ غَيْرُ الْوَاجِبِ الْمُفْتَرَضِ عَمَلُهُ , فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَلَمْ يَتَوَضَّأْ الْوُضُوءَ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَاَلَّذِي لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ , بَلْ هُوَ وُضُوءٌ مُحَرَّمٌ , هُوَ فِيهِ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى , وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ , وَالصَّلاَةُ بِغَيْرِ الْوُضُوءِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِغَيْرِ الْغُسْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لاَ تُجْزِئُ , وَهَذَا أَمْرٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ. وَنَسْأَلُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا عَمَّنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ إطْعَامِ مَسَاكِينَ , فَأَطْعَمَهُمْ مَالَ غَيْرِهِ , أَوْ مَنْ عَلَيْهِ صِيَامُ أَيَّامٍ , فَصَامَ أَيَّامَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ , وَمَنْ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَأَعْتَقَ أَمَةَ غَيْرِهِ : أَيُجْزِيهِ ذَلِكَ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَمَنْ قَوْلُهُمْ : لاَ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَمِنْ أَيْنَ مَنَعْتُمْ هَذَا وَأَجَزْتُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَإِنَاءٍ مَغْصُوبٍ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ عَمَلٌ مَوْصُوفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ , مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِإِقْرَارِكُمْ سَوَاءً سَوَاءٌ. وَهَذَا لاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى الاِنْفِكَاكِ مِنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا بَلْ هُوَ حُكْمٌ وَاحِدٌ دَاخِلٌ تَحْتَ تَحْرِيمِ الأَمْوَالِ , وَتَحْتَ الْعَمَلِ بِخِلاَفِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَكُلُّ هَؤُلاَءِ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِحُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ فِي هَذَا وَمَنْ قَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الأَمْوَالِ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ , وَأَمَّا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ فَلاَ , وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يُبْطِلُونَ طَهَارَةَ مَنْ تَطَهَّرَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ , وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّونَ ، وَأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُبْطِلُونَ طَهَارَةَ مَنْ تَطَهَّرَ بِمَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ , دُونَ نَصٍّ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ , وَلاَ حُجَّةَ بِأَيْدِيهِمْ إلاَّ تَشْغِيبٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ ثُمَّ يُجِيزُونَ الطَّهَارَةَ بِمَاءٍ وَإِنَاءٍ , يُقِرُّونَ كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ , وَثَبَتَ تَحْرِيمُهُ وَتَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَيْهِ , وَهَذَا عَجَبٌ لاَ يَكَادُ يُوجَدُ مِثْلُهُ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ النَّصَّ وَالإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَانِعِينَ مِنْهُ فِي الأَصْلِ , وَخَالَفُوا أَيْضًا الْقِيَاسَ وَمَا تَعَلَّقُوا فِي جَوَازِهِ بِشَيْءٍ أَصْلاً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
153 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ الْغُسْلُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ ، وَلاَ مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ لاَ لِرَجُلٍ ، وَلاَ لاِمْرَأَةٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعٌ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَآنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , وَقَالَ : هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيَ عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ. فإن قيل : إنَّمَا نَهَى عَنْ الأَكْلِ فِيهَا وَالشُّرْبِ. قلنا : هَذَانِ الْخَبَرَانِ نَهْيٌ عَامٌّ عَنْهُمَا جُمْلَةً , فَهُمَا زَائِدَانِ حُكْمًا وَشَرْعًا عَلَى الأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فَقَطْ أَوْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ , وَالزِّيَادَةُ فِي الْحُكْمِ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا. فإن قيل : فَقَدْ جَاءَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاِِنَاثِهَا قلنا : نَعَمْ , وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُسْتَثْنًى مِنْ إبَاحَةِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ , لاَِنَّهُ أَقَلُّ مِنْهُ , وَلاَ بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ الأَخْبَارِ , وَلاَ يُوصَلُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا إلاَّ هَكَذَا , وَهُمْ قَدْ فَعَلُوا هَذَا فِي الشُّرْبِ فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَوْهُ مِنْ إبَاحَةِ الذَّهَبِ لَهُنَّ. فإن قيل : فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ظَرْفًا لاَ يَحِلُّ شَيْئًا ، وَلاَ يُحَرِّمُ شَيْئًا قلنا نَعَمْ , هَذَا حَقٌّ وَبِهِ نَقُولُ , وَالْمَاءُ الَّذِي فِي إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شُرْبُهُ حَلاَلٌ , وَالتَّطَهُّرُ بِهِ حَلاَلٌ , وَإِنَّمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُ الإِنَاءِ , فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ وَفِي التَّطَهُّرِ مِنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ اسْتِعْمَالُ الإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ صَارَ فَاعِلُ ذَلِكَ مُجَرْجِرًا فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ بِالنَّصِّ , وَكَانَ فِي حَالِ وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ التَّطَهُّرِ نَفْسِهِ , وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ , وَأَنْ يُجْزِئَ تَطْهِيرٌ مُحَرَّمٌ عَنْ تَطْهِيرٍ مُفْتَرَضٍ. ثم نقول لَهُمْ : إنَّ مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجَكُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَيْنَا , وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَأَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُ , فَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُونَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَاءٍ فِي إنَاءٍ كَانَ فِيهِ خَمْرٌ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا فِي الْمَاءِ أَثَرٌ , فَقَدْ جَعَلُوا هَذَا الإِنَاءَ يُحَرِّمُ هَذَا الْمَاءَ , خِلاَفًا لِلْخَبَرِ الثَّابِتِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ النَّبِيذَ الَّذِي فِي الدَّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ , وَهُوَ الَّذِي أَبْطَلَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ وَرَدَ , وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، إبَاحَةُ الْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ , وَتَحْرِيمُ الإِنَاءِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ عَلَيْهِنَّ. وَهُوَ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
154 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَاءِ بِئَارِ الْحِجْرِ وَهِيَ أَرْضُ ثَمُودَ ، وَلاَ الشُّرْبُ , حَاشَا بِئْرَ النَّاقَةِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ مِنْهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ ، حدثنا سُلَيْمَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لاَ يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا ، وَلاَ يَسْتَقُوا مِنْهَا , قَالُوا : قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ. وبه إلى الْبُخَارِيِّ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حدثنا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ وَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَاعْتَجَنُوا , فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئَارِهَا , وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ قال أبو محمد : هِيَ مَعْرُوفَةٌ بِتَبُوكَ.
|